الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***
931- ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو قال مالك وإنما ذلك مخافة أن يناله العدو قال أبو عمر هكذا قال يحيى والقعنبي وبن بكير وأكثر الرواة وقال بن وهب عن مالك في آخره خشية أن يناله العدو ولم يجعله من قول مالك وكذلك قال عبد الله بن عمر والليث وأيوب عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو وكذلك رواه إسماعيل بن أمية وليث بن أبي سليم عن نافع عن بن عمر وهو لفظ مرفوع صحيح وأجمع الفقهاء أن لا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه واختلفوا في جواز ذلك في العسكر المأمون الكبير فقال مالك لا يسافر فيه بالقرآن إلى أرض العدو ولم يفرق بين العسكر الكبير والصغير. وقال أبو حنيفة يكره أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو إلا بالعسكر العظيم فإنه لا بأس بذلك واختلفوا في هذا الباب في تعليم الكافر القرآن فمذهب أبي حنيفة أنه لا بأس بتعليم الحربي والذمي القرآن والفقه رجاء أن يرغبوا في الإسلام. وقال مالك لا يعلم القرآن ولا الكتاب وكره رقية أهل الكتاب وعن الشافعي روايتان أحدها الكراهية والأخرى الجواز قال أبو عمر الحجة لمن كره ذلك قول الله عز وجل (إنما المشركون نجس) [التوبة 28]. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يمس القرآن إلا طاهر)) ومعلوم أن من تنزيه القرآن وتعظيمه إبعاده عن الأقذار والنجاسات وفي كونه عند أهل الكفر نقض له بذلك وإهانة له وكلهم أنجاس لا يغتسلون من نجاسة ولا يعافون ميتة وقد كره مالك وغيره أن يعطى الكافر دينارا أو درهما فيه سورة أو آية من كتاب الله تعالى وما أعلم في هذا خلافا إذا كانت آية تامة أو سورة وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم إذا كان فيهما اسم من أسماء الله فأما الدراهم التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن عليها قرآن ولا اسم لله ولا ذكر له لأنها كانت من ضرب الروم وإنما ضربت دراهم الإسلام في أيام عبد الملك بن مروان فإن قيل أفيجوز أن يكتب المسلم إلى الكافر كتابا فيه آية من كتاب الله قال أما إذا دعى إلى الإسلام أو كانت ضرورة إلى ذلك فلا بأس به لما رواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قال أخبرني أبو سفيان بن حرب فذكر قصة هرقل وحديثه قال هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فيه ((بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاء الإسلام أسلم تسلم وأسلم يزيد الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و(يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا) الآية آل عمران 64. 932- ذكر فيه مالك عن بن شهاب عن بن لكعب بن مالك قال (حسبت أنه قال عبد الرحمن بن كعب) أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قتلوا بن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان قال فكان رجل منهم يقول برحت بنا امرأة بن أبي الحقيق بالصباح فأرفع السيف عليها ثم أذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكف ولولا ذلك استرحنا منها. 933- وذكر عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان قال أبو عمر أما حديثه عن بن شهاب فحديث مرسل لم يسنده أحد عن مالك إلا الوليد بن مسلم فقال فيه عن بن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك وقد ذكرنا الإسناد عنه بذلك في ((التمهيد)). وأما رواة الموطأ عن مالك فاختلفوا فيه فقال بن القاسم وبن بكير وبشر بن عمر وأبو المصعب عن مالك عن بن شهاب عن بن كعب بن مالك حسبت أنه قال عبد الرحمن كما قال يحيى وقال القعنبي حسبت أنه قال عبد الله بن كعب أو عبد الرحمن بن كعب وقال بن وهب عن مالك عن بن شهاب عن بن لكعب بن مالك لم يقل عبد الله ولا عبد الرحمن ولا حسبت شيئا من ذلك. وأما اختلاف أصحاب بن شهاب في إسناد هذا الحديث فكثير جدا وقد ذكرناه في (( التمهيد)). وأما بن أبي الحقيق فرجل من اليهود ويسمى سلاما ويكنى أبا رافع قد ذكرنا خبره في كتابه ((الدرر في اختصار المغازي والسير)) ومن الذين قتلوه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوضحنا خبره هناك وفي ((التمهيد)) أيضا والحمد لله. وأما حديثه عن نافع فمرسل عند أكثر أهل الرواية كما رواه يحيى وقد أسنده عن مالك عن نافع عن بن عمر الوليد بن مسلم ومحمد بن المبارك الصوري وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن محمد الرازي وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في ((التمهيد)) وكذلك رواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل النساء والولدان في دار الحرب بن عباس وعائشة وأبو سعيد الخدري وأنس والأسود بن سريع وغيرهم وأجمع العلماء على القول بذلك ولا يجوز عندهم قتل نساء الحربيين ولا أطفالهم لأنهم ليسوا ممن يقاتل في الأغلب والله عز وجل يقول (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) [البقرة 190]. واختلفوا في النساء والصبيان إذا قاتلوا فجمهور العلماء على أنهم إذا قاتلوا قوتلوا وممن قال ذلك الثوري ومالك والأوزاعي والليث والشافعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور كل هؤلاء وغيرهم ينهون عن قتلهم إذا لم يقاتلوا لأنهم مال للمسلمين إذا سبوا استحيوا وقد كان حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه أن تقتل المقاتلة وتسبى الذراري والعيال والآثار بذلك متواترة وهو أمر مجتمع عليه إلا أن تقاتل المرأة وتأتي ما يوجب القتل ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون عن هشام عن الحسن قال إذا قاتلت المرأة من المشركين أو خرجت معهم إلى دار المسلمين فلتقتل قال أبو عمر قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة والخندق وأم قرفة وقتل يوم الفتح قينتين كانتا تعينا بن خطل بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير - بن زهير بن حرب - قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي الزناد عن المرقع بن صيفي عن حنظلة الكاتب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فمر بامرأة مقتولة والناس مجتمعون عليها ففرجوا له فقال ((ما كانت هذه تقاتل الحق خالدا فقل له لا تقتل امرأة ولا ذرية ولا عسيفا)) وروى وكيع عن صدقة الدمشقي عن يحيى بن يحيى الغساني قال كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن قوله تعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) [البقرة 190]. فكتب إلي أن ذلك في النساء والذرية ومن لم ينصب لكم الحرب وروى سنيد عن أبي بكر بن عياش عن عمرو بن ميمون قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى جعونة وكان أمره على الأدراب أن لا تقتل امرأة ولا شيخا ولا صغيرا ولا راهبا وذكر أبو بكر قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان وعبد الله بن نمير عن عبد الله بن عمر عن نافع عن أسلم مولى عمر أن عمر كتب إلى عماله ينهاهم عن قتل النساء والصبيان ويأمرهم بقتل من جرت عليه المواسي قال. وحدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال كتب عمر إلى أمراء الأجناد لا تقتلوا امرأة ولا صبيا واقتلوا من جرت عليه المواسي وفي كتاب بن عباس مجاوبا لنجدة الحروري قال له ذكرت أن العالم صاحب موسى قد قتل الوليد ولو كنت تعلم من الولدان ما علم ذلك العالم من ذلك الوليد ما قتلتهم ولكنك لا تعلم وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الولدان فاعتزلهم وهو حديث مروي عن بن عباس من وجوه كثيرة صحاح واختلف الفقهاء في رمي الحصن بالمنجنيق إذا كان فيه أسارى مسلمين وأطفال المشركين فقد قال مالك أما رمي الكفار بالمنجنيق فلا بأس بذلك قال ولا تحرق سفينة الكفار إذا كان فيها أسارى من المسلمين لقول الله عز وجل (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) [الفتح 25]. وقال أبو حنيفة والثوري لا بأس برمي حصون الكفار وإن كان فيهم أسارى من المسلمين وأطفال ولا بأس أن يحرق الحصن ويقصد بذلك من فيه من الكفار فإن أصابوا في ذلك مسلما فلا دية ولا كفارة وقال الأوزاعي إذا تترس الكفار بأطفال المسلمين لم يرموا لقول الله عز وجل ( ولولا رجال مؤمنون) الآية [الفتح 25]. قال ولا يحرق المركب الذي فيه أسارى المسلمين ويرمى الحصن فإن مات أحد من المسلمين فهو خطأ قال الشافعي لا بأس برمي الحصن وفيه أسارى وأطفال ومن أصيب فلا شيء فيه وإن تترسوا ففيه قولان أحدهما يرمون والأخر لا يرمون إلا أن يكونوا إذا رمى أحدهم أيقن بضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده فإن أصاب في هذه الحال مسلما وعلم أنه مسلم فالدية مع الرقبة وإن لم يعلمه مسلما فالرقبة وحدها قال أبو عمر روى بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس عن الصعب بن جثامة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ونسائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هم منهم)) وربما قال ( (هم من آبائهم)) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر سراياه بالغارة على المشركين وبالتبييت ويقول ((إذا سمعتم أذانا فأمسكوا وإن لم تسمعوا أذانا فأغيروا)) وقال لأسامة بن زيد ((أغر على أبنا صباحا وحرق)) وبعث صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي في سرية قال جندب بن مكيث كنت فيهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشن الغارة على بني الملوح بالكديد وقد ذكرنا هذه الآثار كلها بأسانيدها في ((التمهيد)) وبهذا عمل الخلفاء الراشدين بعده صلى الله عليه وسلم لمن بلغته الدعوة فيمن قال بهذه الأحاديث زعم أن قوله عز وجل (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) الآية [الفتح 25]. خصوص في أهل مكة. وأما مالك والأوزاعي فذهبا إلى أن الآية عامة في سائر الناس وأن حديث الصعب بن جثامة وما كان مثله من التبييت والغارة فليس فيه ذكر مسلم يتترس به وقول مالك أصح ما قيل في ذلك لتحريم الله دم المسلم تحريما مطلقا لم يخص به موضعا من موضع وإنما قتل الشيوخ والرهبان والفلاحين ويأتي ذكره في حديث أبي بكر بعد هذا إن شاء الله. 934- مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أمير ربع من تلك الأرباع فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر إما أن تركب وإما أن أنزل فقال أبو بكر ما أنت بنازل وما أنا براكب إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله ثم قال له إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له وستجد قوما فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشعر فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف وإني موصيك بعشر لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ولا تحرقن نحلا ولا تفرقنه ولا تغلل ولا تجبن قال أبو عمر روى هذا الحديث سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد كما رواه مالك فلما انتهى إلى قوله ((فدعهم وما حبسوا أنفسهم له)). قال سفيان يعني الرهبان قال (( وستجد قوما قد فحصوا عن أوساط رؤوسهم وجعلوا حولها أمثال العصائب فاضرب ما فحصوا من أوساط رؤوسهم بالسيف)). قال سفيان يعني القسيسين ثم ذكر تمام الخبر كما ذكره مالك سواء قال أبو عمر افتتح أبو بكر الصديق في آخر أيامه قطعه من الشام وكان له عليها أمراء منهم أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة والأخبار بذلك عند أهل السير مشهورة - وكان يزيد على ربع من الأرباع المشهورة وفي ركوب يزيد ومشي أبي بكر رخصة في أن الجليل من الرجال راجلا مع من هو دونه راكبا للتواضع واحتساب الخطى في سبيل الله كما ذكر وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار أو حرمه الله على النار)) رواه مالك بن عبد الله الخثعمي عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان من سنتهم تشييع الغزاة ابتغاء الثواب وفيه ما كانوا عليه من حسن الأدب وجميل الهدي أداء ما يلزمهم من توقير أئمة العدل وإجلالهم وبرهم. وأما قوله ((إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فإنه أراد الرهبان المنفردين عن الناس في الصوامع لا يخالطون الناس ولا يطلعون على عورة ولا فيهم شوكة ولا نكاية برأي ولا عمل ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج بن أرطأة عن يحيى بن جدعان عن يحيى بن المطيع أن أبا بكر الصديق (رضي الله عنه) بعث جيشا فقال ((اغزوا باسم الله اللهم اجعل وفاتهم شهادة في سبيلك)) ثم قال ((إنكم تأتون قوما في صوامع لهم فدعوهم وما أعملوا أنفسهم له وتأتون قوما قد فحصوا عن أوساط رؤوسهم فاضربوا ما فحصوا عنه)) وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن يحيى بن سعيد هذا الحديث كما رواه مالك إلا أنه قال وستجد أقواما فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشعر وتركوا منها أمثال العصائب فاضربوا ما فحصوا عنه بالسيف)) ثم ذكر تمام الحديث على حسب ما ذكره مالك قال عبد الرزاق الذين فحصوا عن رؤوسهم الشمامسة والذين حبسوا أنفسهم هم الرهبان الذين في الصوامع قال أبو عمر الشمامسة هم أصحاب الديانات والرهبان المخالطون للناس من أهل دينهم وغير دينهم وفيهم الرأي والمكيدة والعون بما أمكنهم وليسوا كالرهبان الفارين عن الناس المعتزلين لهم في الصوامع روى معمر عن الزهري قال كان أبو بكر إذا بعث جيوشه إلى الشام قال إنكم ستجدون قوما فحصوا عن رؤوسهم ففلقوا رؤوسهم بالسيوف وستجدون قوما قد حبسوا أنفسهم في الصوامع فذروهم بخطاياهم واختلف الفقهاء في قتل أصحاب الصوامع والعميان والزمنى فقال مالك لا يقتل الأعمى ولا المعتوه ولا المقعد ولا أصحاب الصوامع الذين طينوا الباب عليهم لا يخالطون الناس وهو قول أبي حنيفة وأصحابه قال مالك وأرى أن يترك لهم من الأموال مقدار ما يعيشون به إلا أن يخاف من أحدهم فيقتل وقال الثوري لا يقتل الشيخ والمرأة والمقعد وقال الأوزاعي لا يقتل الحراس والزراع ولا الشيخ الكبير ولا المجنون ولا الراهب وقال الليث لا يقتل الراهب في صومعته ويترك له من ماله القوت وعن الشافعي روايتان (إحداهما) أنه يقتل الشيخ والراهب واختاره المزني وقال هو أولى بأصله قال لأن كفر جميعهم واحد وإنما حلت دماؤهم بالكفر قال الشافعي قد يحتمل أن يكون نهي أبي بكر (رضي الله عنه) عن قتلهم لأن لا يشتغلوا بالمقام على الصوامع فيفوتهم ما هو أعود عليهم كما أنه قد نهى عن قطع الشجر المثمر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد وعدهم بفتح الشام واحتج الشافعي في قتلهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل دريد بن الصمة يوم حنين قال أبو عمر يحتج الشافعي بحديث سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( اقتلوا الشيوخ المشركين واستبقوا شرخهم)) رواه قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال البخاري سماع الحسن من سمرة صحيح وقال الطبري إن قاتل الشيخ أو المرأة أو الصبي قتلوا وهو قول سحنون واحتج الطبري بما رواه الحجاج عن الحكم عن مقسم عن بن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى امرأة فقال ((من قتل هذه)) فقال رجل أنا يا رسول الله نازعتني قائم سيفي فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر لم يختلف العلماء فيمن قاتل من النساء والشيوخ أنه مباح قتله ومن قدر على القتال من الصبيان وقاتل قتل وقد روى داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه قال ((لا تقتلوا أصحاب الصوامع)). وأما قول أبي بكر - رضي الله عنه - ((لا تقتلوا امرأة ولا صبيا فقد تقدم حكم ذلك في صدر هذا الباب. وأما قوله ((لا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا)) إلى آخر الحديث - وقد خالف مالك في ذلك فقال لا بأس بقطع نخل الكفار وثمارهم وحرق زروعهم. وأما المواشي فلا تحرق والحجة له في خلافة أبي بكر (رضي الله عنه) ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرقها)) وأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب البهائم وعن المثلة وأن يتخذ شيء فيه الروح. وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري لا بأس بتخريب ديارهم وقطع الشجر وحرقها لأن الله تعالى يقول (ما قطعتم من لينة) الآية [الحشر 5]. وأجازوا ذبح الماشية إذا لم يقدر على إخراجها وقال الأوزاعي أكره قطع شجرة مثمرة أو تخريب شيء من العامر كنيسة أو غيرها وعن الأوزاعي في رواية أخرى أنه لا بأس بأن يحرق الحصن إذا فتحه المسلمون وإن أحرق ما فيه من طعام أو كنيسة وكره كسر الرحا وإفسادها قال ولا بأس بتحريق الشجر في أرض العدو. وقال الشافعي يحرق الشجر المثمر والبيوت إذا كانت لهم معاقل وأكره حرق الزرع والكلإ وكره الليث إحراق النخل والشجر المثمر وقال لا تعقر بهيمة وتأول جماعة من العلماء في حديث أبي بكر المذكور قالوا إنما ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان وعدهم أن يفتحها الله عليهم قال أبو عمر من ذهب إلى الأخذ بقول أبي بكر فمن حجته ما حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا الحسن بن صالح عن خالد بن الفزر قال حدثنا أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا)). قال أبو بكر. وحدثنا محمد بن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن زيد بن وهب قال أتاني كتاب عمر (رضي الله عنه) ((لا تغلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا واتقوا الله في الفلاحين)). قال. وحدثنا جرير بن عبد الحميد عن ليث عن مجاهد قال ((لا يقتل في الحرب الفتى والمرأة ولا الشيخ الفاني ولا يحرق الطعام ولا النخل ولا تخرب البيوت ولا يقطع الشجر المثمر)) وحجة من قال بقول مالك والشافعي في قطع النخل حديث نافع عن بن عمر ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرق)) وحديث أسامة بن زيد قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض يقال لها (( أبنا)) فقال ائتها صباحا وحرق. 935- وأما حديث مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامل من عماله أنه بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية يقول لهم ((اغزوا باسم الله في سبيل الله تقاتلون من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا)) وقل ذلك لجيوشك وسراياك إن شاء الله والسلام عليك قال أبو عمر يتصل معنى حديث عمر بن عبد العزيز هذا من حديث بريدة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن حديث أنس بن مالك حدثناه عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد البزار قال حدثناه محبوب بن موسى قال أخبرنا الفزاري أبو إسحاق عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا باسم الله وفي سبيل الله وقاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا)) وذكر الحديث بطوله. وأما حديث أنس فرواه يحيى بن آدم قال حدثنا الحسن بن صالح قال حدثنا خالد بن الفزر قال حدثني أنس بن مالك قال ((كنا إذا استنفرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلنا في ظهر المدينة حتى يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول (( انطلقوا باسم الله وبالله وعلى سنة رسول الله تقاتلون أعداء الله في سبيل الله قتلاكم أحياء يرزقون في الجنان وقتلاهم في النار يعذبون لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنامكم وأصلحوا (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) البقرة 195)). وأما قوله في حديث عمر هذا لا تغلوا وفي حديث أبي بكر قبله في وصيته ليزيد ((ولا تغلل ولا تجبن)) فالغلول محرم بالكتاب والسنة والإجماع وله باب في هذا الكتاب نذكر فيه حكمه - إن شاء الله والغدر أن يؤمن ثم يقتل وهذا حرام بإجماع والغدر والقتل سواء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن)) وقال عليه السلام ((يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند إسته هذه غدرة فلان)) فالمثلة محرمة في السنة المجتمع عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أعف الناس قتلة أهل الإيمان)) من حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن حديث شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((إذا قتلتم فأحسنوا القتلة)) ومن حديث الحسن عن سمرة وعمران بن حصين ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة)). وأما قوله فيه ((ولا تجبن)) فإنه أراد -والله أعلم- لا تفعل فعل الجبان امتثالا لقول الله تعالى (إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) [الأنفال 45]. 46 وهذا الخطاب إلى من فيه قوة وله جنان ثابت. وأما من ليس فيه شيء من ذلك فإنه لا يكلف ما ليس في وسعه والله أعلم وروي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت ((من أحس من نفسه جبنا فلا يغز)). 936- ذكر فيه مالك عن رجل من أهل الكوفة أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش كان بعثه أنه بلغني أن رجالا منكم يطلبون العلج حتى إذا أسند في الجبل وامتنع قال رجل مطرس (يقول لا تخف) فإذا أدركه قتله وإني والذي نفسي بيده لا أعلم مكان واحد فعل ذلك إلا ضربت عنقه قال مالك وليس هذا الحديث بالمجتمع عليه وليس عليه العمل قال أبو عمر قيل إن الرجل من أهل الكوفة سفيان الثوري ولا يبعد أن يروي مالك عن سفيان الثوري وقد روى مالك عن يحيى بن مضر الأندلسي عن سفيان الثوري قال الطلح المنضود الموز وقد روى الثوري عن مالك حديث ((الأيم أحق بنفسها من وليها)) وفي هذا الباب وسئل مالك عن الإشارة بالأمان أهي بمنزلة الكلام فقال نعم وإني أرى أن يتقدم إلى الجيوش أن لا تقتلوا أحدا أشاروا إليه بالأمان لأن الإشارة عندي بمنزلة الكلام وإنه بلغني أن عبد الله بن عباس قال ما ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو وقال أبو عمر إذا كان دم الحربي الكافر يحرم بالأمان فما ظنك بالمؤمن الذي يصبح ويمسي في ذمة الله ! كيف ترى في الغدر به والقتل وقد قال صلى الله عليه وسلم (( الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن)) وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش عن أبي وائل قال ((أتانا كتاب عمر ونحن بخانقين إذا قال الرجل إلى الرجل لا تخف فقد أمنه وإذا قال مترس فقد أمنه فإن الله يعلم الألسنة قال. وحدثنا مروان بن معاوية عن حميد عن أنس قال حاصرنا تستر فنزل الهرمزان على حكم عمر منزله به أبو موسى معي فلما قدمنا على عمر سكت الهرمزان فلم يتكلم فقال عمر تكلم فقال كلام حي أم كلام ميت قال عمر تكلم فلا بأس فقال إنا وإياكم معشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم كنا نقتلكم ونعصيكم فأما إذ كان الله معكم لن يكون لنا بكم يدان فقال نقتله يا أنس قلت يا أمير المؤمنين ! قلت خلفي شوكة شديدة وعدوا كثيرا إن قتلته يئس القوم من الحياة وكان أشد لشوكتهم وإن استحييته طمع القوم فقال يا أنس استحي قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور فلما خشيت أن يتسلط عليه قلت له ليس لك إلى قتله سبيل فقال أعطاك أصبته منه قلت ما فعلت ولكنك قلت له تكلم فلا بأس قال أتجيئني بمن يشهد معك وإلا بدأت بعقوبتك قال فخرجت من عنده فإذا أنا بالزبير بن العوام قد حفظ ما حفظت فشهد عنده فتركه وأسلم الهرمزان وفرض له (3) قال. وحدثنا ريحان بن سعيد قال حدثني مرزوق بن عمرو قال حدثني أبو يزيد قال خرجنا مع أبي موسى الأشعري يوم فتحنا سوق الأهواز فسعى رجل من المشركين وسعى رجلان من المسلمين خلفه فبينما يسعى ويسعيان إذ قال أحدهما له (مطرس) فقام الرجل فأخذاه فجاءا به وأبو موسى يضرب أعناق الأسارى حتى انتهى الأمر إلى الرجل فقال أحد الرجلين إن هذا قد جعل له الأمان فقال أبو موسى فقد جعل له الأمان قال إنه كان يسعى ذاهبا في الأرض وقلت له مطرس فقام فقال أبو موسى وما مطرس قال لا تخف قال هذا أمان فخليا سبيله فخليا سبيل الرجل قال. وحدثنا عباد بن العوام عن حصين بن أبي عطية قال كتب عمر إلى أهل الكوفة أنه ذكر لي أن ((مطرس)) بلسان العرب والفارسية لا تخف فإن قلتموها لمن لا يفهم لسانكم فهو آمن قال أبو عمر إنما قال مالك في حديث عمر ليس عليه العمل لأن فيه قتل المؤمن بالكافر وهذا أمر لم يجتمع بالمدينة عليه ولا بغيرها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا يقتل مؤمن بكافر)) وستأتي هذه المسألة - إن شاء الله - في موضعها ولا خلاف علمته بين العلماء في أن من أمن حربيا بأي كلام لهم به الأمان فقد تم له الأمان وأكثرهم يجعلون الإشارة الأمان إذا كانت مفهومة بمنزلة الكلام. وأمان الرفيع والوضيع جائز عند جماعة العلماء. وأمان العبد والمرأة عند الجمهور جائز وكان بن الماجشون وسحنون يقولان أمان المرأة موقوف على إجازة الإمام له فإن أجازه له جاز فهو قول شاذ لا أعلم قال به غيرهما من أئمة الفتوى وقد روي معنى قولهما عن خالد بن الوليد وعمر بن العاص وقد ذكرنا هذه المسألة وما للعلماء فيها في باب صلاة الضحى من كتاب الصلاة. وأما أمان العبد فكان أبو حنيفة لا يجيزه إلا أن يقاتل واختلف عن أبي يوسف في ذلك وقال محمد بن الحسن يجوز أمانه وإن لم يقاتل وهو قول مالك والثوري والأوزاعي والليث والشافعي وعن عمر من طرق أنه أجاز أمان العبد ولا خلاف في ذلك بين السلف إلا ما خرج مخرج الشذوذ روى سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول عن فضيل الرقاشي قال حاصرنا حصنا فمكثنا ما شاء الله لا نقدر على شيء منه وإذا هم قد فتحوا باب الحصن يوما وخرجوا إلينا فقلنا مالكم قالوا قد أمنتمونا فقلنا ما أمناكم فقالوا بلى فأخرجوا نشابة فيها كتاب أمان لهم كتبه عبد منا فقلنا إنما هذا عبد ولا أمان له فقالوا إنا لا نعلم العبد منكم من الحر فكففنا عنهم وكتبنا إلى عمر بن الخطاب فكتب إلينا إن العبد المسلم ذمته ذمة المسلمين فأجاز له الأمان قال أبو عمر وهذا يحتمل التأويل أخبرنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الرحمن بن سليمان عن الحجاج عن الوليد بن أبي مالك عن عبد الرحمن بن سلمة أن رجلا أجار قوما وهو مع عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح فقال عمرو وخالد لا نجير من أجار فقال أبو عبيدة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((يجير على المسلمين بعضهم)) وروى الأعمش ومنصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت إن كانت المرأة لتجير على المسلمين وعن رفيع عن شريك عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عمر قال إن كانت المرأة لتجير على المسلمين فيجوز أمانها حدثنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم قال. وحدثنا بن نمير قال حدثنا محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((يجير على المسلمين أدناهم)) وروى بن أبي عمر وغيره عن بن عيينة عن أيوب بن موسى عن بكير عن بن عبد الرحمن بن الأشج قال جاء رجل من أهلي إلى سعيد بن المسيب فقال ألا نخبرك بما نصنع في مغازينا قال لا ولكن إن شئت أخبرك بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في مغازيه قال نعم قال سعيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى أهل قرية دعاهم إلى الإسلام فإن أجابوه خلطهم بنفسه وأصحابه وإن أبوا دعاهم إلى الجزية فإن أعطوها قبلها وكف عنهم وإن أبوا آذنهم على سواد وكان أدنى أصحابه إذا أعطاهم العهد وفوا به أجمعون قال أبو عمر. وأما قول مالك ((إن الإشارة المفهومة بالأمان كالكلام)) فالدلالة على ذلك من السنة موجودة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أصحابه بعد أن كبر في الصلاة أن امكثوا ففهموا عنه وأشار إلى أبي بكر أن امكث ففهم عنه وقد رد السلام بالإشارة وهو في الصلاة ومثل هذا كثير وقال أبو مصعب من لم يحسن طلب الأمان بلسانه فأشار بطلب ذلك فأشير له به فقد وجب له الأمان ولا يقتل. 937- ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا أعطى شيئا في سبيل الله يقول لصاحبه إذا بلغت وادي القرى فشأنك به. 938- وعن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول إذا أعطي الرجل الشيء في الغزو فيبلغ به رأس مغزاته فهو له قال أبو عمر في سماع بن القاسم قال مالك من حمل على فرس في سبيل الله فلا أرى له أن ينتفع بشيء من ثمنه في غير سبيل الله إلا أن يقال له شأنك به فافعل به ما شئت فإن قيل له ذلك كان مالا من ماله إذا بلغ رأس مغزاته يصنع به ما شاء كما لو أعطى ذهبا أو ورقا في سبيل الله روى بن وهب عن مالك قال إذا أعطي رجل فرسا وقيل له هو لك في سبيل الله فله أن يبيعه وإن قيل هو في سبيل الله ركبه ورده وقال الثوري إذا أعطى شيئا في سبيل الله فإن شاء وضعه في من يغزو في سبيل الله من أهل الثغر وإن شاء قسمه في فقرائهم وقال الأوزاعي فيمن أعطي شيئا في سبيل الله أنه كسائر ماله إن لم يقل هو حبس أو موقوف وقال الحسن بن حي إذا أعطي شيئا في سبيل الله من الزكاة فهو له وإن كان من غير الزكاة فمات جعله في مثله وقال الليث بن سعد إذا أعطي شيئا في سبيل الله لم يبعه حتى يبلغ مغزاه فإذا بلغ مغزاه صنع به ما شاء وكذلك الفرس إلا أن يكون جعله حبسا في سبيل الله فلا يباع قال أبو عمر الفرس الحبس في سبيل الله هو الذي قسمه صاحبه قسمة الحبس ويذكر أنه قد أخرجه لذلك من ماله ويشهد على ذلك وينفق عليه فإذا كان الغزو دفعه إلى من يقاتل عليه ويغزو به فإذا انقضى الغزو صرفه إليه وكان عنده موقوفا ينفق عليه ويعده لمثل ذلك فإذا كان كذلك لم يجز بيعه عند أحد علمته من أهل العلم إلا أن يعجز عنه لضعفه وقال عبد الله بن الحسن إذا قال هو لك في سبيل الله فرجع به رده حتى يجعله في سبيل الله. وقال الشافعي الفرس المحمول عليه في سبيل الله هو لمن حمل عليه وقد زدنا هذه المسألة بيانا في كتاب الزكاة وفي هذا الباب سئل مالك عن رجل أوجب على نفسه الغزو فتجهز حتى إذا أراد أن يخرج منعه أبواه أو أحدهما فقال لا يكابرهما ولكن يؤخر ذلك إلى عام آخر فأما الجهاز فإني أرى أن يرفعه حتى يخرج به فإن خشي أن يفسد باعه وأمسك ثمنه حتى يشتري به ما يصلحه للغزو فإن كان موسرا يجد مثل جهازه إذا خرج فليصنع بجهازه ما شاء قال أبو عمر هذا استحباب منه ومن جمهور العلماء كلهم يستحب فيما نواه المرء وهم به من الصدقة أن لا يعود فيه وأن يضمنه إذا أخرجه حتى اللقمة يخرجها للسائل فلا يجده ولم يختلفوا في الصدقة إذا قبضها المعطي فقيرا كان أو غنيا أنه لا رجوع للمتصدق في شيء منها وكذلك كل ما كان لله تعالى إذا خرج عن يد المعطي وروى الحميدي عن سفيان قال حدثنا عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ! جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبواي يبكيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما)) وروى زائدة عن الأعمش عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني أريد أن أجاهد معك قال ((أحي والداك)). قال نعم قال ((ففيهما فجاهد)) وروى بن جريج عن محمد بن طلحة عن معاوية بن جاهمة عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم استشيره في الجهاد فقال ألك والدان قلت نعم قال ((اذهب فأكرمهما فإن الجنة تحت رجليهما)). قال أبو عمر لا خلاف علمته أن الرجل لا يجوز له الغزو ووالداه كارهان أو أحدهما لأن الخلاف لهما في أداء الفرائض عقوق وهو من الكبائر ومن الغزو ما قلت وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن الحسن في الوالدين إذا أذنا بالغزو قال إن كنت ترى هواهما في الجلوس فاجلس قال وسئل الحسن ما بر الوالدين قال أن تبذل لهما ما ملكت وأن تطيعهما فيما أمراك به إلا أن تكون معصية. 939- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة فكان سهمانهم اثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا هكذا رواه مالك على الشك أحد عشر بعيرا أو اثني عشر بعيرا وسائر رواة نافع أيوب وعبيد الله وإسماعيل بن أمية والليث بن سعد وشعيب بن أبي حمزة وبن إسحاق - يروونه اثني عشر بعيرا بغير شك وكذلك رواه الوليد بن مسلم عن مالك بغير شك ولم يتابع عليه عن مالك والصحيح عن مالك ما في الموطأ وقد ذكرنا في ((التمهيد)) رواية الوليد وذكرنا أصحاب نافع في ألفاظ هذا الحديث مستقصاة بما فيها من المعاني والوجوه والحمد لله واختصار ذلك أن رواية مالك وغيره ممن ذكرنا حاشا محمد بن إسحاق تدل على أن السرية المذكورة في هذا الحديث لم تنفل البعير الزائد على السهمان إلا بعد القسمة وهذا يوجب أن يكون النفل من الخمس كما قال سعيد بن المسيب وفقهاء الحجاز. وأما رواية محمد بن إسحاق لهذا الحديث فإنه جعل النفل من القسمة ثم جعل القسمة بعد وهذا مذهب أهل الشام وطائفة من أهل العراق وسنبين ذلك كله في ما بعد - إن شاء الله وكذلك اتفق الرواة المذكورون لهذا الحديث عن نافع على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث السرية المذكورة وأن سهمان أهل السرية هي السهمان المذكورة في هذا الحديث اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ثم نفلوا بعيرا بعيرا حاشا شعيب بن أبي حمزة فإنه انفرد عن نافع بأن قال في هذا الحديث بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا قبل نجد فانبعثت منه هذه السرية فجعل السرية خارجة من العسكر ويبين ذلك في روايته عنه الوليد بن مسلم قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد أربعة آلاف فانبعثت منهم هذه السرية وقال شعيب أيضا إن سهمان ذلك الجيش كان اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ونفل أهل السرية خاصة بعيرا بعيرا وهذا لم يقله غيره وإن كان المعنى فيه صحيحا لأن العلماء لم يختلفوا أن السرية إذا خرجت من العسكر فغنمت أن أهل العسكر شركاؤهم فيما غنموا إلا أن هذا الحكم والمعنى في السنة لم يذكره في هذا الحديث عن نافع إلا شعيب بن أبي حمزة وليس هو في نافع كعبيد الله وأيوب ومالك وغيرهم وفي رواية هؤلاء عن نافع لهذا الحديث ما يدل على أن النفل لم يكن من رأس الغنيمة وإنما كان من الخمس وفي رواية بن إسحاق أن ذلك كان من رأس الغنيمة وبن إسحاق ليس كهؤلاء في نافع قال أبو عمر النفل يكون على ثلاثة أوجه أحدها أن يريد الإمام تفضيل بعض الجيش بشيء يراه من غنائه وبأسه وبلائه أو لمكروه تحمله دون سائر الجيش فينفله من الخمس لا من رأس الغنيمة بل من خمس الخمس من سهام النبي صلى الله عليه وسلم ويجعل له سلب قتيله وسيأتي القول في سلب القتيل في موضعه من هذا الكتاب والوجه الآخر أن الإمام إذا دفع سرية من العسكر فأراد أن ينفلها مما غنمت دون أهل العسكر فحقه أن يخمس ما غنمت ثم يعطي السرية مما بقي بعد الخمس ما شاء ربعا أو ثلثا ولا يزيد على الثلث لأنه أقصى ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفله ويقسم الباقي بين جميع أهل العسكر والسرية على السواء للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم والوجه الثالث أن يحرض الإمام أو أمير الجيش أهل العسكر على القتال قبل لقاء العدو وينفل من شاء منهم أو جميعهم ما عسى أن يصير بأيديهم ويفتحه الله عليهم الربع أو الثلث قبل القسم تحريضا منه على القتال وهذا الوجه كان مالك يكرهه ولا يراه وكان يقول قتالهم على هذا الوجه إنما يكون للدنيا وكان يكره ذلك ولا يجيزه وأجازه جماعة من أهل العلم غيره وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص (لعلي أن أبعثك في جيش فيسلمك الله ويغنمك ويرغب إليك من المال رغبة صالحة) وذهب قوم إلى أن الإمام لو نفل السرية كل ما غنمت جاز وأكثر الفقهاء على خلاف ذلك ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي عن عمران القطان عن علي بن ثابت قال سألت مكحولا وعطاء عن الإمام ينفل قوما ما أصابوا قال ذلك لهم قال حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور قال سألت إبراهيم عن الإمام يبعث السرية فتغنم قال إن شاء نفلهم إياه كله وإن شاء خمسه قال أبو عمر من ذهب إلى هذا تأول قول الله تعالى (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) [الأنفال 1]. أن ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم يضعها حيث شاء ولم ير هذه الآية منسوخة بقوله عز وجل (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) الأنفال 41. وأما اختلاف الفقهاء في هذا الباب فإن جملة قول مالك وأصحابه أن لا نفل إلا بعد إحراز الغنيمة ولا نفل إلا من الخمس والنفل عندهم أن يقول الإمام (من قتل قتيلا فله سلبه) قال مالك ولم يقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن برد القتال وكره مالك أن يقاتل أحد على أن له كذا واحتج له بعض أصحابه بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد قوي المسلمين على ضعيفهم وإنما جعل مالك النفل من الخمس لا من رأس الغنيمة لأن الخمس مردود قسمته إلى اجتهاد الإمام وأهله غير معنيين ولم ير النفل من رأس الغنيمة لأن أهلها معينون وهم المخوفون وهم الموجفون. وقال الشافعي جائز للإمام أن ينفل قبل إحرازه الغنيمة أو بعدها على وجه الاجتهاد قال الشافعي وليس في النفل حد وقد روى بعض الشاميين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل في البداءة والرجعة قال أبو عمر الحديث بهذا مشهور عن الشاميين ومن أحسن طرقه ما رواه علي بن المديني وأبو بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن رجاء بن أبي سلمة قال سمعت سليمان بن موسى يقول سمعت مكحولا يقول عن زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل في البداءة الربع وحين قفل الثلث قال أبو بكر. وحدثنا حفص بن غياث عن أبي عميش عن القاسم بن عبد الرحمن قال القاسم النفل ما لم يلتق الزحفان فإذا التقى الزحفان فإنما هي الغنيمة قال الشافعي وفي رواية بن عمر ما يدل على أنه نفل نصف السدس قال فهذا يدل على أنه ليس للنفل حد لا يتجاوزه الإمام قال وأكثر مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فيها أنفال قال وحديث بن عمر يدل على أنهم أعطوا في سهمانهم ما يجب لهم مما أصابوا ثم نفلوا بعيرا بعيرا والنفل هو شيء زيدوه غير الذي كان لهم وقول سعيد بن المسيب كان الناس يعطون النفل من الخمس كما قال والذي أراه أن يكون من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر كان أعدل الأقاويل عندي والله أعلم في هذا الباب أن يكون النفل من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم لولا أن في حديث بن عمر هذا ما يدل على أنه لا يكون ذلك من خمس الخمس وذلك أن تنزل تلك السرية على أنهم كانوا عشرة مثالا ومعلوم أنه إذا عرفت ما للعشرة علمت ما للمائة وللألف فمثال ذلك أن تكون السرية عشرة أصابوا في غنيمتهم مائة وخمسين بعيرا خرج منها خمسها بثلاثين وصار لهم مائة وعشرين قسمت على عشرة وجب لكل واحد اثنا عشر بعيرا ثم أعطي القوم من الخمس بعيرا بعيرا فهذا صحيح على من جعل النفل من جملة الخمس لا من خمس الخمس لأن خمسة ثلاثين لا يكون فيه عشرة أبعرة وقد يحتج أن يكون محتمل أن يكون من خمس الخمس بأن يكون هناك ثياب وخرثي متاع غير الإبل فأعطى من لم يبلغه البعير قيمة البعير من غير ذلك من العروض وكان أبو عبيد القاسم بن سلام يقول في حديث بن عمر هذا النفل الذي ذكره بعد الإسهام ليس له وجه إلا أن يكون من الخمس وقال غيره النفل الذي في خبر بن عمر إنما هو نفل السرايا كان النبي -عليه السلام- ينفل في البداءة الثلث وفي الرجعة الربع. وقال أبو ثور وذكر نفل النبي صلى الله عليه وسلم في البداءة والرجوع وذكر حديث بن عمر هذا ثم قال وهذا يدل على أن النفل قبل الخمس وقال الأوزاعي وأحمد بن حنبل جائز للإمام أن ينفل في البداءة الربع بعد الخمس وفي الرجعة الثلث بعد الخمس وهو قول الحسن البصري وجماعة وقال النخعي كان الإمام ينفل السرية الثلث والربع يضريهم ويحرضهم على القتال وقال مكحول والأوزاعي لا نفل بأكثر من الثلث - وهو قول جمهور العلماء وقال الأوزاعي في أمير أغار فقال من أخذ شيئا فهو له كما قال ولا بأس أن يقول الإمام من جاء برأس فله كذا ومن جاء بأسير فله كذا يحرضهم وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال لجرير بن عبد الله البجلي لما قدم عليه في قومه وهو يريد الشام هل لك أن تأتي الكوفة ولك الثلث بعد الخمس من كل أرض أو شيء ولما أ تي عمر بن الخطاب بسيف النعمان بن المنذر أعطاه جبير بن مطعم وقال جماعة فقهاء الشام منهم رجاء بن حيوة وعبادة بن نسي وعدي بن عدي ومكحول والقاسم بن عبد الرحمن ويزيد بن أبي مالك وسليمان بن موسى والأوزاعي وسعيد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز الخمس من جملة القيمة والنفل من بعد الخمس ثم الغنيمة بين أهل العسكر بعد ذلك وهو قول إسحاق بن راهويه واحمد بن حنبل وأبي عبيد قال أبو عبيد قال والناس اليوم على أن لا نفل من جملة الغنيمة حتى يخمس وكان سعيد بن المسيب يقول لا تكون الأنفال إلا في الخمس قال أبو عمر من حجة الشاميين ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن العلاء عن مكحول عن زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل الربع بعد الخمس في البداءة ونفل الثلث بعد الخمس في الرجعة. 940- وذكر مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد انه سمع سعيد بن المسيب يقول كان الناس في الغزو إذا اقتسموا غنائمهم يعدلون البعير بعشر شياه قال أبو عمر في هذه المسألة جواز قسمة الحيوان المختلف الأجناس بعضه ببعض على اختلاف أجناسه وبه قال الشافعي ولا ربا عنه في ذلك في شيء من الحيوان بعضه ببعض نقدا ونسيئة وهو قول أبي حنيفة إلا في النسيئة قال تقسم الإبل والبقر والغنم والثياب كيف شاء أربابها يدا بيد وقال عيسى بن دينار عن أبي القاسم ليس العمل على حديث سعيد بن المسيب هذا ولكن تقسم الإبل على حدة والغنم على حدها بالغنيمة وكذلك سائر العروض يقسم كل جنس على حدته بالغنيمة ولا يقسم شيء منها بالسهم ولا يجعل جزء من جنس جزء من غيره ذلك مكروه لأنه لا يدري أين يقع سهمه وهو عنده من باب الغرر وهذا خلاف ظاهر في حديث سعيد بن المسيب مسألة قال مالك في الأجير في الغزو إنه إن كان شهد القتال وكان مع الناس عند القتال وكان حرا فله سهمه وإن لم يفعل ذلك فلا سهم له وأرى أن لا يقسم إلا لمن شهد القتال من الأحرار قال أبو عمر اختلف العلماء في الأجير والتاجر فقول مالك في الأجير ما ذكره في موطئه وذكر في غير الموطأ لا يسهم للتاجر ولا للأجير إلا أن يقاتلوا وقال الحسن بن حي يسهم للأجير وقال الليث بن سعد من أسلم فخرج إلى العسكر فإن قاتل فله سهمه وإن لم يقاتل فلا سهم له قال والأجير إذا اشتغل بالخدمة عن حضور القتال فلا شيء له. وقال أبو حنيفة وأصحابه في التاجر والأجير إن قاتلوا استحقوا وإن لم يقاتلوا فلا شيء لهم وهذا كقول مالك سواء وروى الثوري عن أشعث عن الحسن وبن سيرين قالا يسهم للأجير قال الثوري إذا قاتل الأجير أسهم له ورفع عن من استأجره بقدر ما شغل عنه وقال الأوزاعي وإسحاق لا يسهم للعبد ولا الأجير المستأجر على خدمة القوم ذكر المزني عن الشافعي قال ولو كان لرجل أجير يريد الجهاد معه فقد قيل يسهم له وقد قيل لا يسهم له إلا أن يكون قتال فيقاتل كذلك التجار إن قاتلوا قيل لا يسهم لهم وقيل يسهم لهم قال المزني قد قال في كتاب الأسارى يسهم للتاجر إذا قاتل وهو أولى بأصله قال أبو عمر جمهور العلماء يرون أن يسهم للتاجر إذا حضر القتال وقال الأوزاعي لا يسهم للبيطار ولا للشعاب والحداد ونحوهم. وقال مالك يسهم لكل من قاتل إذا كان حرا وبه قال أحمد بن حنبل قال أبو عمر من جعل الأجير كالعبد لم يسهم له حضر القتال أم لم يحضر وجعل ما أخذه من الأجرة مانعا له من السهمان ومن حجته ما رواه عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي رواد قال أخبرني أبو سلمة الحمصي أن عبد الرحمن بن عوف قال لرجل من فقراء المهاجرين أتخرج معي يا فلان إلى الغزو قال نعم فوعده فلما حضره الخروج دعاه فأبى أن يخرج معه فقال عبد الرحمن أليس قد وعدتني أتخلفني قال ما أستطيع أن أخرج قال وما الذي يمنعك قال عيالي وأهلي قال فما الذي يرضيك حتى تخرج معي قال ثلاثة دنانير فدفع إليه عبد الرحمن ثلاثة دنانير قبل أن يخرج معه فلما هزموا العدو وأصابوا المغنم قال لعبد الرحمن أعطني نصيبي من المغنم فقال عبد الرحمن سأذكر أمرك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هذه الثلاثة الدنانير حظه ونصيبه من غزوته في أمر دنياه وآخرته)) واختلفوا أيضا في العبد فقال مالك لا أعلم العبد يعطى من الغنيمة شيئا. وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي لا يسهم للعبد ولكن يرضخ له قال أبو عمر روي عن الحكم بن عتيبة والحسن وبن سيرين وإبراهيم النخعي وعمرو بن شعيب أن للعبد إذا حضر القتال أسهم له وروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس أنهما قالا لا يسهم للعبد وليس له في الغنيمة نصيب ذكره أبو بكر بن أبي شيبة من طرق عنهما حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال أخبرنا هشام عن محمد بن زيد بن مهاجر بن قنفد عن عمير مولى آبي اللحم قال شهدت مع مولاي خيبر وأنا مملوك فلم يقسم لي من الغنيمة شيء وأعطاني من خرثي المتاع سيفا كنت أجره إذا تقلدته قال أبو عمر هذا حكم العبد في الغزو والغنيمة. وأما القسم له في الفيء والعطاء فقد اختلفوا عن عمر فيه على قولين العلماء عليهما روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن مخلد الغفاري أن ثلاثة مملوكين لبني غفار شهدوا بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان عمر يعطيهم كل سنة ثلاثة آلاف لكل رجل منهم وسفيان عن عمرو بن دينار قال قدم عمر بن الخطاب مكة وكتب إعطاء الناس عشرة دراهم فمر به عبد فأعطاه عشرة دراهم فلما ولى قالوا له إنه عبد قال دعوه قال أبو عمر وأصح ما في هذا الباب عن عمر ما رواه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن بن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان قال وقال عمر ليس أحد إلا وله في هذا المال حق يعني الفيء إلا ما ملكت أيمانكم وروى عن بن شهاب جماعة كذلك عن مالك بن أوس عن عمر بن الخطاب وهو حديث متصل صحيح والاختلاف فيه عن أبي بكر الصديق كذلك قال أبو عمر مسألة الأجير تشبه مسألة الجعائل ولا ذكر لها في الموطأ فنذكرها ها هنا قال مالك لا بأس بالجعائل ولم يزل الناس يجاعلون بالمدينة عندنا وذلك لأهل العطاء ومن له ديوان وكره مالك أن يؤاجر وابنه أو قومه في سبيل الله وكره أن يعطيه الوالي الجعل على أن يتقدم إلى الحصن فيقاتل قال ولا نكره لأهل العطاء الجعائل لأن العطاء نفسه مأخوذ على هذا الوجه. وقال الشافعي لا يجوز أن يغزو فيأخذ الجعل من رجل يجعله له وإن غزا به فعليه أن يرده ولا بأس بأن يأخذ الجعل من السلطان دون غيره لأنه يغزو بشيء من حقه. وقال أبو حنيفة تكره الجعائل ما كان بالمسلمين قوة أو كان بيت المال يفي بذلك فأما إذا لم تكن فيهم قوة ولا مال فلا بأس أن يجهز بعضهم بعضا ويجعل القاعد للناهض وكره الليث والثوري الجعل وقال الأوزاعي إذا كانت نية الغازي على الغزو فلا بأس أن يعان وقال الكوفيون لا بأس لمن أحس من نفسه حينا أن يجهز الغازي ويجعل له جعلا لغزوه في سبيل الله قال أبو عمر لما كان الغازي يتخذ سهما من الغنيمة من أهل حضور القتال استحال أن يجعل له جعلا فيما فعله لنفسه وأدائه ما عليه من فرض الجهاد وسنته وسنذكر حكم النساء إذا غزون هل يسهم لهن عند ذكر أم حرام في غزوها مع زوجها عبادة في البحر - إن شاء الله. قال مالك فيمن وجد من العدو على ساحل البحر بأرض المسلمين فزعموا أنهم تجار وأن البحر لفظهم ولا يعرف المسلمون تصديق ذلك إلا أن مراكبهم تكسرت أو عطشوا فنزلوا بغير إذن المسلمين أرى أن ذلك للإمام يرى فيهم راية ولا أرى لمن أخذهم فيهم خمسا قال أبو عمر يروى وعطبوا ويروى أو عطشوا وهو أولى لاختلاف معنى اللفظين لدخول (أو) بينهما قال أبو عمر الحكم في هؤلاء مما يظهر من أمرهم بأن لم ير معهم سلاح ولا آلة حرب وظهر متاع التجارة أو ما دل عليه فحكم الإمام فيهم أن يقتل منهم أو يردهم إلى مأمنهم وإن لم يظهر من أمرهم ما يدل على صدقهم لم يكن لأهل بلدهم صلح ولا عهد مهادنة مأمون به فهم فيء ساقه الله إلى المسلمين لا خمس فيهم لأحد لأنهم لم يوجف عليهم بخيل ولا ركاب وقد قيل إنهم لمن أخذهم وقدر عليهم وصاروا بيده وفيهم الخمس قياسا على الركاز الذي هو من مال الكفار وقد وردت السنة بإيجاب الخمس فيه فأجري مجرى الغنيمة وإن لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فإن لم يصيروا بيد أحد حتى ارتفع أمرهم إلى الإمام فلا خمس فيهم بإجماع وهم في ثلث مال المسلمين مع سائر الفيء ذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سئل عطاء عن رجل من أهل الحرب يأتي المسلم بغير عهد قال خيره إما أن تقره وإما أن تبلغه مأمنه قال بن جريج وقال غيره لا يرده إلا أن يكون له عهد ولو جاء بغير سلاح - إن شاء الله. قال مالك لا أرى بأسا أن يأكل المسلمون إذا دخلوا أرض العدو من طعامهم ما وجدوا من ذلك كله قبل أن يقع في المقاسم قال مالك وأنا أرى الإبل والبقر والغنم بمنزلة الطعام يأكل منه المسلمون إذا دخلوا أرض العدو كما يأكلون من الطعام ولو أن ذلك لا يؤكل حتى يحضر الناس المقاسم ويقسم بينهم أضر ذلك بالجيوش فلا أرى بأسا بما أكل من ذلك كله على وجه المعروف ولا أرى أن يدخر أحدا من ذلك شيئا يرجع به إلى أهله وسئل مالك عن الرجل يصيب الطعام من أرض العدو فيأكل منه ويتزود فيفضل منهم شيء أيصلح له أن يحسبه فيأكله في أهله أو يبيعه قبل أن يقدم بلاده فينتفع بثمنه قال مالك إن باعه وهو في الغزو فإني أرى أن يجعل ثمنه في غنائم المسلمين وإن بلغ به بلده فلا أرى بأسا أن يأكله وينتفع به إذا كان يسيرا تافها ما لم يعتقده مالا قال أبو عمر أجمع جمهور علماء المسلمين على إباحة طعام الحربيين ما دام المسلمون في أرض الحرب يأكلون منه قدر حاجتهم وجاءت بذلك آثار مرفوعة من قبل أخبار الآحاد العدول من حديث بن عمر وحديث بن مغفل وحديث بن أبي أوفى وقد ذكرناها في ((التمهيد)) وجملة قول مالك والثوري وأبي حنيفة والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي أنه لا بأس أن يؤكل الطعام والعلف في دار الحرب بغير إذن الإمام وكذلك ذبح الأنعام للأكل وهو قول أحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وكان بن شهاب الزهري لا يرى أخذ الطعام في أرض الحرب إلا بإذن الإمام ذكره عنه معمر وغيره ولا أعلم أحدا قاله غيره وروى الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قالوا كانوا يرخصون للغزاة في الطعام والعلف وكره الجمهور من أهل العلم أن يخرج شيء من الطعام إلى أرض الإسلام إذا كان له قيمة أو كانت للناس رغبة وحكموا الذي يحكم لقسمة الغنيمة فإن أخرجه رده في المقاسم إن أمكنه وإلا باعه ونظر في ثمنه وقال الأوزاعي ما أخرجه من ذلك إلى دار الإسلام فهو له ايضا قال أبو عمر روى بشر بن عبادة عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل أنه قال كلوا لحم الشاة وردوا بها إلى المغنم فإن له ثمنا وسنذكر في باب الغلول ما للعلماء من المذاهب في تقبل ما لا يؤكل من الغنيمة والإنتفاع بالأعيان منها في دار الحرب وبيع الناقة من فضلة الطعام وأخذ المباحات في أرضهم ما لم يكونوا يملكونه كعود النشاب والسروج وصعود الصيد وحجر السن ونحو ذلك - إن شاء الله وإنما ذكرنا في هذا الباب الطعام خاصة لخلاف غيره له في الحكم ولأن ترجمة الباب تضمنت الأكل دون غيره. 941- ذكر مالك أنه بلغه أن عبدا لعبد الله بن عمر أبق وأن فرسا له عار فأصابهما المشركون ثم غنمهما المسلمون فردا على عبد الله بن عمر وذلك قبل أن تصيبهما المقاسم قال مالك فيما يصيب العدو من أموال المسلمين إنه إن أدرك قبل أن تقع فيه المقاسم فهو رد على أهله. وأما ما وقعت فيه المقاسم فلا يرد على أحد وسئل مالك عن رجل حاز المشركون غلامه ثم غنمه المسلمون قال مالك صاحبه أولى به بغير ثمن ولا قيمة ولا غرم ما لم تصبه المقاسم فإن وقعت فيه المقاسم فإني أرى أن يكون الغلام لسيده بالثمن إن شاء قال أبو عمر أما خبر بن عمر في العبد والفرس فذكر أبو إسحاق الفزاري عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر أن غلاما له أبق إلى الروم وفرسا له هرب فأخذها المشركون فردا إلى عبد الله بن عمر وعلى المسلمين يومئذ خالد بن الوليد قال موسى وذلك عام اليرموك قال أبو عمر يختلفون على نافع في هذا الحديث والصحيح - إن شاء الله - أن أحدهما رده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والثاني رده خالد بن الوليد أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن علي الحلواني ومحمد بن سليمان الأنباري قالا حدثنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه ذهبت له فرس فأخذها العدو فغار عليهم المسلمون فرده عليه يعني خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وروى معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال أبق غلام لي يوم اليرموك ثم ظهر عليه المسلمون فردوه إلي وروى بن جريج قال سمعت نافعا يزعم أن عبد الله بن عمر ذهب العدو بفرسه فلما هزم العدو وجد خالد فرسه فرده إلى عبد الله بن عمر قال أبو عمر رواية عبيد الله بن عمر عن نافع أولى بالصواب في ذلك إن شاء الله وللعلماء في هذه المسألة أقوال أحدها أن ما صار من أموال المسلمين إلى الكفار بغلبة من الكفار أو غير غلبة ثم ظفر به المسلمون فإنه يرد إلى صاحبه وعلم وثبت ذلك قبل القسم بلا شيء وإن أراده بعد القسمة فهو أحق به بالقيمة وهو قول مالك والثوري والحسن بن حي وروي مثل هذا عن عمر بن الخطاب وسلمان بن ربيعة الباهلي وهو قول عطاء وبه قال أحمد بن حنبل وقول ثان أنهما غلبا عليه الكفار وجاوزوه ثم غنمه المسلمون فحاله ما ذكرنا وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري قالوا. وأما ما صار إلى المشركين من غير غلبة فصاحبه أحق به قبل القسم وبعده بلا شيء والقول الثالث إن ما غلب عليه الكفار من أموال المسلمين وما أبق إليهم من رقيق المسلمين من غير غلبة منهم ثم غنمه المسلمون فكل ذلك سواء هو لصاحبه بلا شيء قبل القسم وبعده وهو قول الشافعي وبه قال أبو ثور وعن الأوزاعي روايتان أحدهما مثل قول أبي حنيفة والثانية مثل قول مالك وقال الثوري في العبد يأبق إلى العدو ثم يصيبه المسلمون أن صاحبه أحق به قسم أو لم يقسم وقال الأوزاعي إن دخل العبد القسم من حصون العدو قسم مع أموال أهل الحصن ويكون فيئا وإن لم يرد الحصن رد إلى مولاه وفي المسألة قول رابع قاله الزهري وعبد الله بن دينار قال ما أحرزه العدو ثم غنمه المسلمون فهو لجماعة المسلمين يقسمه المسلمون ولا يرد إلى صاحبه وهو للجيش ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن سليمان عن سعيد عن قتادة قال قال علي (رضي الله عنه) هو للمسلمين عامة لأنه كان لهم مالا وروى سفيان بن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال قال علي فيما قسم ما أحرزه العدو فظهر عليه صاحبه فهو أحق به بالغنيمة وهذا خلاف ما ذكره أبو بكر قال حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه أن عليا كان يقول فيما أحرزه العدو من أموال المسلمين أنه بمنزلتهم قال وكان الحسن يفتي بذلك قال أبو عمر هذه رواية لسليمان التيمي عن الحسن وقد روى هشيم عن مغيرة عن إبراهيم وعن يونس بن جبير قالا ما أحرزه العدو من مال المسلمين فغنمه المسلمون وعرفه صاحبه فهو أحق به ما لم يقسم فإذا قسم فقد مضى ذكره أبو بكر بن هشيم قال. وحدثنا إدريس عن ليث عن مجاهد مثله قال أبو عمر احتج الشافعي لمذهبه بحديث عمران بن حصين قال أغار المشركون على صاحب المدينة وأحرزوا العضباء وامرأة من المسلمين فلما كان ذات ليلة قامت المرأة وقد ناموا فجعلت ما تضع يدها على بعير إلا رغا حتى تأتي العضباء فأتت على ناقة ذلول فركبتها ثم توجهت قبل المدينة ونذرت لئن الله نجاها لتنحرنها فلما قدمت المدينة عرفت الناقة فأتوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته المرأة بنذرها فقال ((بئسما جزيتيها لا نذر فيما لا يملك بن آدم ولا في معصية)) رواه حماد بن زيد وبن علية وعبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين وفي رواية بعضهم عن أيوب فأخذها النبي قال الشافعي فهذا دليل على أن أهل الحرب لا يملكون عليها بالغلبة ولا بعدها ولو ملكوا عليها لملكت المرأة الناقة كسائر أموالهم لو أخذت شيئا منها ولو صح فيها نذرها وقد فضل الله المسلمين بأن لا يملك شيء من أموالهم إلا عن طيب أنفسهم ولا يرثها عنهم إلا أهل دينهم واحتج المخالفون للشافعي عليه بما رواه الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن بن عباس أن رجلا وجد بعيرا له كان المشركون أصابوه فقال رسول الله إن أصبته قبل أن يقسم فهو لك وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة قال أبو عمر الحسن بن عمارة مجتمع على ضعفه وترك الاحتجاج بحديثه وذكر الطحاوي أن علي بن المديني روى عن يحيى بن سعيد أنه سأل سعدا عن هذا الحديث فقال له من حديث عبد الملك بن ميسرة وروى وكيع وعبد الرزاق عن الثوري عن سماك بن حرب عن تميم بن طرفة قال أصاب المشركون ناقة لرجل من المسلمين فاشتراها رجل من المسلمين من العدو فعرفها صاحبها فخاصمه إلى النبي فأقام البينة فقضى النبي أن يدفع له الثمن الذي اشتراها به من العدو وإلا خلى بينه وبينها وفي هذا الباب قال مالك في أم ولد رجل من المسلمين حازها المشركون ثم غنمها المسلمون فقسمت في المقاسم ثم عرفها سيدها بعد القسم إنها لا تسترق وأرى أن يفتديها الإمام لسيدها فإن لم يفعل فعلى سيدها أن يفتديها ولا يدعها ولا أرى للذي صارت له أن يسترقها ولا يستحل فرجها وإنما هي بمنزلة الحرة لأن سيدها يكلف أن يفتديها إذا جرحت فهذا بمنزلة ذلك فليس له أن يسلم أم ولده تسترق ويستحل فرجها قال أبو عمر اختلف العلماء في هذه المسألة فقول مالك فيه ما ذكر في موطئه وقد روي عنه أن على صاحبها أن يفديها إن كان موسرا فإن كان معسرا أتبع دينا به إن لم يعط ذلك من بيت المال قال وأرى على الإمام أن يفديها وقال الليث بن سعد في ذلك كقول مالك إلا أنه قال يتبع السيد بقيمتها دينا إن لم يكن عنده ما يفديها به قال أبو عمر كان الليث بن سعد لا يرى على سيد أم الولد أن يؤدي عنها جنايتها وقال يتبع به أم الولد دون السيد وهذه مسألة أخرى قد اختلف فيها العلماء وسيأتي موضعها - إن شاء الله قال أبو حنيفة وأصحابه لا يملك العدو علينا بالغلبة حرا ولا أم ولد ولا مدبرا. وقال الشافعي على أصله ليس في أم الولد على سيدها شيء ويدفع إليه أم ولده لأن العدو لا يملكون عنده شيئا من أموال المسلمين. وأما قول مالك في الرجل يخرج إلى أرض العدو في المفازاة أو في التجارة فيشتري الحر أو العبد أو يوهبان له فقال أما الحر فإن ما اشتراه به دين عليه ولا يسترق وإن كان وهب له فهو حر وليس عليه شيء إلا أن يكون الرجل أعطى فيه شيئا مكافأة فهو دين على الحر بمنزلة ما اشتري به. وأما العبد فإن سيده الأول مخير فيه إن شاء أن يأخذه ويدفع إلى الذي اشتراه ثمنه فذلك له وإن أحب أن يسلمه أسلمه وإن كان وهب له فسيده الأول أحق به ولا شيء عليه إلا أن يكون الرجل أعطى فيه شيئا مكافأة فيكون ما أعطى فيه غرما على سيده أحب أن يفتديه وهذا كله معنى قول الحسن البصري وإبراهيم النخعي وبن شهاب الزهري وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق وقال الليث بن سعد إن كان موسرا دفع إلى المشتري ما اشتراه به وإن كان معسرا ففي بيت المال فإن لم يكن كان دينا عليه قال أبو عمر سواء عند مالك اشترى الحر بأمره أو بغير أمره وجوابه فيه ما ذكر في الموطأ وكذلك العبد سواء اشتراه بإذن سيده أو بغير إذنه إلا أنه إذا لزمه بأمره لزمه ما اشتراه به إلا أن يكون أكثر من قيمته ما لا يتغابن بمثله فيعود إلى التخيير. وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري ليس على الأسير الحر من الثمن الذي اشتراه به إلا أن يكون أمره بالشراء قال أبو عمر الحجة لمالك أن فداء الأسير لنفسه من أرض العدو واجب عليه ومقامه مع قدرته على الفداء لا يجوز له فالذي اشتراه إنما فعل ما يلزمه فوجب عليه أن يرجع عليه بما اشتراه به ومن قال بقول الكوفيين يقول إن الضمان غير متعلق بالوجوب بدليل وجوب فداء الأسير على جماعة المسلمين وإجماعهم على أنه لو أمره بالفداء رجع به عليه دون جماعة المسلمين فإذا لم يأمره لم يكن له أن يثبت عليه دين إلا بأمره قال أبو عمر قول مالك أولى لأنه المقدم على جماعة المسلمين في فداء نفسه إذا قدر عليه وقال الأوزاعي لو أسر ذمي ففداه مسلم بغير أمره استسعاه فيه. وأما العبد فليس على سيده شيء مما اشتراه أو فداه به التاجر بغير أمر السيد لأنه متطوع بفعله ويأخذ السيد عبده كما يأخذه قبل القسم. وأما أبو حنيفة فقال إذا اشترى فأخذه إلى دار الإسلام كان لمولاه أخذه بالثمن فإن وهبه المشتري لرجل قبل أن يأخذه مولاه ثم جاء المولى لم يكن له فسخ الهبة ولكنه يأخذه من الموهوب له بقيمته يوم وهبه وروى أشهب عن مالك أنه قال لو أعتق المشتري بطل عتقه وأخذه مولاه بالثمن الذي اشتراه به قال أشهب فهبة المشتري أحق أن تبطل ويأخذه مما اشتراه به وهو قول أشهب وبن نافع وقال بن القاسم إن أعتقه لم يكن للمولى سبيل ولا ينقض البيع إن باعه ولا الهبة وإنما له الثمن وقال الحسن بن حي إن باعه أخذه المولى من المشتري الثاني بالثمن الذي أخذه الأول من العدو فإن كان أقل رجع بما بين الثمنين على الذي باعه منه. وقال الشافعي إن اشتراه بأمره ثم اختلفا فالقول قول الأسير وقال الأوزاعي القول قول المشتري اشتراه بأمره أو لم يشتره بغير أمره - إن شاء الله تعالى.
|